عندما تكثر الأشياء وتتوافر تقل قيمتها وتفقد نفاستها.. هذه ليست قاعدة إقتصادية فحسب، بل تنطبق أيضًا على جوانب الحياة الأخرى سواءًا كانت علمية أو إجتماعية وغيرها...
فالألماس والذهب والمعادن النفيسة واللآليء النادرة لم تكن لتكتسب قيمتها لو أنها كانت معروضة وسهلة المنال، فمن بين أطنان الصخور تستخرج كميات قليلة من الذهب والألماس.
ولكن هل رأيتِ يومًا امرأة تخجل من أسورتها الذهبية الثمينة لأنها ليست نحاسية؟
وهل رأيتِ حامل ألماسة يحاول أن يخفي بريقها وينفي عنها سرها لتصبح كالكريستال والزجاج؟
لا يحدث هذا أبدًا، بل على العكس يكثر المدعون والمُزيِّفون للمعادن الرخيصة كي تحاكي الجواهر الحقيقية طلبًا للتميز الذي هو سر الجمال وإرتفاع القيمة.
ولكن المؤسف أنه في عالم البشر وتحت ضغط التحاسد والغش الإجتماعي قد نجد فتاة ألماسية تستحيي من بريقها وتفرط في ندرتها لتصبح كغيرها من النحاسيات.
قد نجد فتاة رزقها الله تعالى شغفًا بالقراءة والمعرفة وطلب العلم مع حسن الفهم، ولكن ضغط المجتمع بين إستغرابه وإستبعاده ومعاداة النفوس المريضة للنجاح والتميز يدفعها إلى الإستحياء من نعمة ربها عليها، ودفعها لأن تكون فتاة عادية.
وقد نجد فتاة سلَّم الله قلبها من التفاخر والتباهي، فترى الزواج على حقيقته سكن وعفة وتعاون على البر والتقوى، فترسم صورة لحياتها ولفارس أحلامها ملامحها الخلق والدين، ولكنها تجد ضغطًا إجماعيًا من سخرية وغربة فكر وإلحاح لتغيير أفكارها، كي تصبح كغيرها تحسب هذا الميثاق الغليظ بلغة المال، وترى الزواج سلعة.
حتى عندما تلتزم الفتاة بدينها، فإن المحيطين بها يتوقعون منها أن تكون عادية أيضًا، تلتزم بالشكل والظاهر مع بعض الشعائر والدعوة النمطية، ولا تأتي بجديد أو تُظهر تميزًا.. فيستنكرون منها ألا تكون همومها كهموم غيرها، أو أن تكون شعلة نشاط في الحق والخير، لا يقبلون علو همتها فهي تذكرهم في الحقيقة بتقصيرهم وعاديتهم.
ونصيحتي لك أيتها الفتاة الألماسية أن تمضي في طريقك وتعتزي بمعدنك النفيس، وتدركي أن الهازئين في حقيقة الأمر يغبطونك، وأن الإستسلام لأعداء النجاح هو قمة الغبن.
كوني كما أنتِ.. تطوري في الخير، ولا تفقدي بريقك، فمن بين كل مئة من الإبل قد تجدي راحلة، وتأكدي أنه كلما كثر الجهل وطغى على النفوس حب الدنيا تعيَّن على أولي الألباب أن يسبحوا ضد التيار فيصبحوا بعد حين للمتقين إماما.
وتذكري أنه لا يعقل ولا يليق أن يستحيي الذكي من عقله فيتشبه بالأغبياء، ولا أن يتضايق الموهوب من موهبته فيقمعها ويهملها.. وأن الناس مهما عادوا المتميزين فإنهم لا يفقدون إحترامهم لهم أبدًا، فضعي عينيك على طلب إبتغاء الله ورضوانه يُسخر لك القلوب، وإبتعدي عن الجدل، ولا تجعلي حياتك وإختياراتك مكلمة.
إمضي في دربك واثقة، مستمسكة بشرع الله، إستفت قلبك، وإستخيري ربك، وإستشيري فقط من تتلمسي فيه الحكمة والصدق.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المراة.